أزمة المياه على الحدود: مطالب ترامب بامتثال المكسيك لمعاهدة 1944 تثير توترات جديدة في الولايات المتحدة
واشنطن، 10 ديسمبر 2025 – في خطوة قد تعيد إشعال التوترات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة ومكسيكها الجنوبية، نشر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليوم تغريدة حادة على منصته الاجتماعية "Truth Social"، مطالبًا فيها المكسيك بالامتثال الفوري لشروط معاهدة المياه لعام 1944. ووصف ترامب التأخير المكسيكي في تسليم كميات المياه المتفق عليها بأنه "انتهاك صارخ"، مشيرًا إلى أن الجفاف الذي تستشهد به الحكومة المكسيكية لا يُعد عذرًا كافيًا. هذا التصريح يأتي في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة أزمة مياه متفاقمة في ولايات الجنوب الغربي، حيث أدى نقص الإمدادات إلى خسائر اقتصادية هائلة في قطاع الزراعة والصناعة.
خلفية المعاهدة وأسباب التوتر
تعود معاهدة المياه لعام 1944 إلى اتفاق تاريخي بين الولايات المتحدة والمكسيك ينظم توزيع مياه نهري كولورادو وريو غراندي، اللذين يشكلان مصدرًا حيويًا للري والشرب في المنطقة الحدودية. بموجب المعاهدة، تلتزم المكسيك بتسليم حوالي 1.75 مليار متر مكعب من المياه كل خمس سنوات إلى الولايات المتحدة. ومع ذلك، أعلنت الحكومة المكسيكية، برئاسة الرئيسة كلوديا شينباوم، عن تأجيل الشحنات الأخيرة بسبب الجفاف الشديد الذي يضرب البلاد، مما أدى إلى احتجاجات من المزارعين الأمريكيين في تكساس وأريزونا.
في تغريدته، كتب ترامب: "المكسيك تستمر في انتهاك المعاهدة، وهذا لن يُسمح به. الجفاف ليس عذرًا لعدم الوفاء بالتزاماتها. يجب على المكسيك الامتثال فورًا، وإلا ستواجه عواقب اقتصادية ودبلوماسية!" هذا التصريح يعكس نهج ترامب التصعيدي تجاه الجيران الجنوبيين، الذي كان قد أطلق عليه في فترة رئاسته الأولى حملة "بناء الجدار" وفرض الرسوم الجمركية. وفقًا لتقارير من مصادر رسمية، فقد انخفضت مستويات المياه في بحيرة فالي (Falcon Reservoir) بنسبة 40% هذا العام، مما أثر على أكثر من 500 ألف مزارع أمريكي.
التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية داخل الولايات المتحدة
يُعد هذا النزاع أحد أبرز التحديات البيئية والاقتصادية التي تواجه الولايات المتحدة في عام 2025، حيث يتزامن مع موجة حر شديدة وتغير مناخي يفاقم الجفاف في الجنوب الغربي. في ولاية تكساس، على سبيل المثال، أدى نقص المياه إلى خسارة محاصيل الذرة والقطن بنسبة تصل إلى 25%، مما كلف الاقتصاد الأمريكي مليارات الدولارات. وفقًا لتقرير صادر عن وزارة الزراعة الأمريكية، قد يرتفع سعر الغذاء بنسبة 10% إذا استمر الوضع دون حل سريع.
من الناحية الاجتماعية، أثار النزاع احتجاجات في مدن حدودية مثل إل باسو ومكألن، حيث يعتمد السكان على مياه نهر ريو غراندي. منظمات حقوقية مثل ACLU حذرت من أن تصعيد ترامب قد يؤدي إلى توترات حدودية أكبر، خاصة مع تزايد الهجرة غير الشرعية. كما أن النزاع يثير تساؤلات حول سياسات الرئيس ترامب البيئية، التي تركز على تعزيز الإنتاج المحلي بدلاً من التعاون الدولي.
ردود الفعل الدولية والمكسيكية
من جانبها، نفت الحكومة المكسيكية أي انتهاك متعمد للمعاهدة، مؤكدة أنها ملتزمة بالاتفاق "بناءً على الظروف الطبيعية". في بيان رسمي أصدرته وزارة الخارجية المكسيكية اليوم، قالت شينباوم: "نحن نواجه أزمة جفاف غير مسبوقة، وسنعمل مع الولايات المتحدة على حلول مشتركة، لكن التهديدات لن تساعد". وأشارت إلى أن المكسيك قد سلمت بالفعل 70% من الكميات المطلوبة، وأن الجفاف في ولايات شمالية مثل تشيهواهوا يحد من القدرة على الوفاء بالباقي.
على الصعيد الدولي، أعربت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (FAO) عن قلقها من تأثير النزاع على الأمن الغذائي في المنطقة، محذرة من أن التصعيد قد يؤدي إلى أزمة إقليمية أوسع. في الوقت نفسه، دعا الاتحاد الأوروبي إلى حوار بناء بين الطرفين، مشيرًا إلى أن معاهدات المياه يجب أن تُدار بمرونة في ظل التغير المناخي.
السياق السياسي الأوسع في واشنطن
يأتي هذا التصريح في سياق أوسع من التوترات الداخلية في الولايات المتحدة، حيث يواجه ترامب ضغوطًا متزايدة من الكونغرس حول قضايا أخرى. على سبيل المثال، قدم النائب الجمهوري توماس ماسي اليوم مشروع قانون HR 6508 للانسحاب من حلف الناتو، مما أثار جدلاً واسعًا في الدوائر السياسية. كما أن اجتماع وزير الخارجية ماركو روبيو مع وزير الخارجية الإسرائيلي جيديون ساعار اليوم في الخارجية الأمريكية يشير إلى تركيز الإدارة على الشؤون الخارجية الشرق أوسطية، بينما تتصاعد الأزمات الداخلية.
بالإضافة إلى ذلك، أفادت تقارير من "واشنطن بوست" بأن مجموعة من التعديلات على ثلاث وثائق تتعلق بحل النزاع الأوكراني من المقرر نشرها اليوم، مما يعكس محاولات الإدارة لإغلاق الملفات الدولية قبل نهاية العام. ومع ذلك، يبدو أن أزمة المياه مع المكسيك قد تسرق الأضواء، خاصة مع اقتراب الانتخابات البرلمانية المقررة في 2026.
النظرة المستقبلية: هل نحو تصعيد أم حوار؟
مع تزايد الضغوط، يتوقع مراقبون أن يعقد ترامب اجتماعًا طارئًا مع فريقه الاقتصادي لمناقشة خيارات الرد، بما في ذلك فرض عقوبات تجارية محدودة. في المقابل، يدعو خبراء البيئة إلى إعادة التفاوض على المعاهدة لتشمل آليات للتعامل مع الجفاف، مستندين إلى نموذج اتفاقيات نهر المكسيكي الحالية.
في الختام، يمثل هذا النزاع ليس فقط تحديًا بيئيًا، بل اختبارًا لقدرة الولايات المتحدة على إدارة علاقاتها الدبلوماسية في عصر التغير المناخي. هل سينجح ترامب في فرض إرادته، أم أن هذا التوتر سيفتح الباب لتعاون إقليمي أكبر؟ الإجابة ستكون واضحة في الأسابيع المقبلة، لكن اليوم يبقى تذكيرًا بأن المياه – كما قال الخبراء – هي "النفط الجديد" في الجيوسياسة.

